الاثنين، 15 نوفمبر 2021

معنى الايمان بتعريف القران


عطية مرجان ابوزر

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة : 3]
يأخذ سياق الآية  في بيان صفة المتقين وهي صفة السابقين من المؤمنين كما هي صفة وجب أن يكون عليها مؤمني هذه الأمة في كل حين فكانت السمة الأولى للاية دليل على الوحدة الشعورية الإيجابية التي تجمع بين الإيمان بالغيب من جهة وبين القيام بالفرائض( الصلاة والإنفاق) .

الإيمان : وردت كلمة الايمان لاول مرة في القران في الاية "أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ [البقرة : 108]
ووردت أول كلمة يؤمن في هذه الاية "الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة : 3] " 
 والايمان :- هو التصديق الجازم المقترن بإذعان النفس وقبولها واستسلامها. والناس في هذا قسمين : أولهما مادي لا يؤمن إلا بالحسيات ، وثانيهما قلبي يؤمن بما لا يدركه الحس والثاني أسمى وأكمل من الأول لأنه يعيش بجسده وروحة بينما الأول يعيش بجسده المادي دون روحه, والقرآن خاطب الجميع الماديين والقلبيين , حاور القران الماديين بالعقل والعلم فأعجزهم في علوم المادة والعقل , وتعاطي مع القلبيين بالحس المرهف والروحانية فصور لهم وقص عليهم القصص وضرب لهم الأمثال فأمتعهم .

والغيب : ما غاب علمه عنهم ، كالإيمان بوجود الله تعالى وملائكته والدار الآخرة فذلك إيمان بالغيب . و من لا يؤمن بالغيب لا يمكن أن يهتدي إلا بحواره بإعجاز القرآن العلمي والعقلي , ولا ينفع القول له قال الله وقال الرسول,  وعليه فإن من يتصدى لهدايته لا بد له أن يقيم الحجة العقلية للاقتناع بما وراء المحسوس . ولما كان الإيمان بالغيب عند بعض الناس استسلام تقليدي لم يأخذ من النفس إلا ما أخذ اللفظ من اللسان ، وليس له أثر في الأفعال , لأنه لم يقع تحت نظر العقل فقد ذكر لهم القرآن بعض علامات المؤمنين قال : ويقيمون الصلاة ) والصلاة عبادة مفروضة لها مناسكها وأزمانها وشروطها وإقامة الصلاة هو الإتيان بهذه العبادة بوجهيها الروحية والبدنية على أكمل وجه.لان للصلاة صورة وروح ، صورتها العبادة بالأعضاء، وروحها العبادة بالقلب. قال الله تعالى ( ويقيمون الصلاة ولم يقل : ( ويصلون ) وذلك ليفرق بين الصلاة المُقامة بالقلب والصلاة القائمة على حركات الجسد دون استحضار القلب وخشوع الجوارح .
وقيل : إن إقامة الصلاة هو الإتيان بجميع حقوقها من كمال الطهارة واستيفاء الأركان والسنن و هذا القول لا يعدو وصفا للصورة الظاهرة ، وإنما قوام الصلاة هو الذي يحصل بالإقامة : التي هي:- التوجه إلى الله تعالى والخشوع الحقيقي له ، والإحساس بالحاجة إليه تعالى, والوصول إلى ذلك يكون بألا ينطق المصلي بلفظ إلا وهو مستورد معناه في ذهنه، فإذا قال (الحمد لله) يستحضر معنى الحمد وإذا ما قال (رب العالمين ) استحضر معاني الربوبية وأضاف الحمد إلى ذات ربه, وإذا قال (مالك يوم الدين ) تصور معنى المُلك وهيمنته وتعلقه باليوم الأعظم .... وهكذا .
فإذا أخذ المصلي على نفسه أن يتصور المعاني من ألفاظها التي ينطق بها فقد أقام الصلاة ، أما وهو ينطق ولا يفقه ما يقول ولا يلحظ بذهنه معنى لفظ ما يقول ،فلا يزعم أنه أقام الصلاة بل هدمها بإخلائها من عمادها ، وقتلها بسلبها روحها ، ومن غريب مزاعم من يسمون أنفسهم بالمسلمين : أن حضور القلب في جميع أجزاء الصلاة واستشعار الخشية من أصعب ما تتجشمه النفس ، بل يكاد مستحيلا لغلبة الخواطر على ذهن المصلي .  وأخشى أن يكون هذا جحودا لمعنى الصلاة وإنما عرض لهم هذا الوهم الباطل من شدة الغفلة واستحكام العلة والعياذ بالله.وهذا أبو هريرة رضي الله عنه يقول : إن الرجل ليصلي ستين سنة ولا تقبل منه صلاة , فقيل له : كيف ذلك؟  قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا قيامها ولا خشوعها, و يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه كقوله :إن الرجل ليشيب في الإسلام ولم يكمل لله ركعة واحدة! قيل : كيف يا أمير المؤمنين قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها, أما الإمام أحمد بن حنبل فقال:- يأتي على الناس زمان يصلون وهم لا يصلون ,وإني لأتخوف أن يكون الزمان هو هذا الزمان.ويقول الإمام الغزالي رحمه الله :إن الرجل ليسجد السجدة يظن أنه تقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى , و والله لو وزع ذنب هذه السجدة على أهل بلدته لهلكوا ، سُئل كيف ذلك ؟ فقال : يسجد برأسه بين يدي مولاه وهو منشغل باللهو والمعاصي والشهوات وحب الدنيا ... فأي سجدة هذه!
ومما رزقناهم ينفقون ) الرزق في اللغة : النصيب والعطاء ، ويطلق على الحسي والمعنوي ، كالمال والولد والعلم والتقوى ، ويخص بأمور المعاش وأمور الآخرة فمن رزقه الله مالا هو للمعاش ومن رزقه إسلاما كان لأخرته, إن الإنفاق هنا يشمل النفقة الواجبة على الأهل والولد وذي القربى وصدقة التطوع ، إذ الآية نزلت قبل فرض الزكاة المعينة


قوله تعالى: (ومما رزقناهم ) يدل على أن النفقة المشروعة تكون بعض ما يملك الإنسان لا كل ما يملك لقوله " مما " فهو ركن من أركان الاقتصاد ، والإنفاق في سبيل الله أظهر آيات الإيمان الصحيح , و هذا الوصف من أقوى أمارات الإيمان بالغيب ؛ لأن كثيرا من الناس يأتون بضروب العبادات البدنية كالصلاة والصوم ، ومتى عرض لهم ما يقتضي بذل شيء من المال لله تعالى يمسكون ولا تسمح أنفسهم بالبذل ، وليس المراد بالإنفاق هنا ما يكون على الأهل والولد ، ولا ما يسمونه بالجود والكرم ، كقرى الضيوف ابتغاء عوض كالشهرة والجاه ، أو الأنس بالأصحاب ؛ لأن هذا ليس من آثار الإيمان بالغيب ، وإنما هو الإنفاق الناشئ عن شعور بأن الله تعالى هو الذي رزقه وأنعم عليه به ، وأن الفقير المحروم عبد الله مثله ، وأنه حرم من سعة العيش لضعف أو حرمان من الأسباب التي توصل إلى الرزق ( أو عن إحساس بأن مصلحة من مصالح المسلمين ومنفعة من منافعهم العامة لا تقوم أو لا تصل إليهم إلا ببذل المال ، وقد أوجب الله على من أوتي المال أن ينفق منه في ذلك السبيل وهو أفضل سبل الله, فمن يجد من نفسه داعية لبذل أحب الأشياء إليه - وهو ماله - ابتغاء مرضاة الله تعالى وقياما بشكره ، ورحمة لأهل العوز والبائسين من خلقه ، فهو لا شك مستعد لقبول هداية القرآن أتم الاستعداد ، حتى إذا ما دعي إليه لبى وأجاب ، وأسلم إلى الله تعالى وأناب . 
قوله اذ قيل عن مُعلم مادي ملحد أنه ضرب مثلا لطلابه ليثبت لهم عدم منطقية وجود الله سبحانه فقال : هل تشاهدون الله الله , أجابوا للا , فقال إذن فهو غير موجود , فنهض طفل مسلم ليسأل الطلاب قائلا : هل ترون عقل المعلم ؟ أجابوا بلا , فقال إذن هو غير موجود , وفي هذا قال الفلاسفة " أنا أفكر إذن أنا موجود "
الإعجاز القرآني :-
(الذين يؤمنون بالغيب) تدل على أنه لا تقوم حواجز الحس بالكمال الإنساني دون الاتصال بالروح والقوى الكبرى التي صدرت عنها, ودون إدراك ماصدر عنه هذا الوجود بالتدبر العقلي في الآيات الكونية,ولا يكون التكامل بين الحس وسائر ما وراء الحس من حقائق وقوى وطاقات وخلائق وموجودات إلا بالتفكر والتعقل والتأمل , للوصول إلى الإيمان بالغيب كونه هو العتبة الروحية السامية التي يجتازها الإنسانلينتقل من الحيوانية إلى البشرية, تجاوزا لمرتبة الإدراك الحسي المادي الحيواني إلى مرتبة التعقل بالتدبر لمعرفة الشيء بأثرة وهو الأسلوب العلمي المعاصر الذي يؤمن به المعاصرون من الفلاسفة والعقليين, فأنت تؤمن بوجود الهواء رغم أنك لا تراه وبالسؤال إذا كنت لم ترى المخلوقات التي في الصور المرفقه ولم تلمسها فلماذا آمنت بوجودها بعد رؤيتها في الصور؟
وتحضرني هنا نكته في هذا القول :-
 إذن فإن معرفة الشيء بأثرة هو أصلا أسلوب قرآني معجز سبق الفلسفة وعلم المنطق .كما أن التصور لحقيقة النفس البشرية ولحقيقة الذات ليس بأسلوب جديد بل هو منطق النبي إبراهيم عليه السلام الباحث عن حقيقة ذاته كمخلوق وعن حقيقة خالقه فليس من يعيش في الحيز الصغير الذي تدركه حواسه كمن يعيش في الكون الكبير الذي تدركه بديهته وبصيرته ويشعر أن مداه أوسع في الزمان والمكان من كل ما يدركه وعيه في عمره القصير المحدود , وأن وراء الكون حقيقة أكبر من الكون , هي التي صدر عنها , واستمد من وجودها وجوده تلك هيحقيقة الذات الإلهية التي لا تدركها الأبصار ولا تحيط بها العقول .

   الغيب لا تحيط به العقول إن المنظور لا تحيط به العلوم فلو قلنا لا نؤمن إلا بالمنظور المحسوس وسألنا سائل : هل رأيت كل أنواع المخلوقات البحرية ولمستها بالحواس المجردة ؟ قيل : لا . فهل يعني هذا أنه لا يوجد ملايين الأنواع من الحيوانات البحرية ؟
 إن الغيب الذي لا تحيط به العقول لا بُدرك بالعقل المحدود دون سند من البصيرة ومتى سلم العقل البشري بالبديهية العقلية الأولى , وهي أن المحدود لا يدرك المطلق لزمه أن يُسلم بأن إدراكه للمطلق مستحيل,وإن عدم إدراكه للمجهول لا ينفي وجوده في ضمير الغيب المكنون ,وأن عليه أن يكل الغيب إلى طاقة أخرى غير طاقة العقل ; وأن يتلقى العلم في شأنه من العليم الخبير الذي يحيط بالظاهر والباطن , والغيب والشهادة وهذا الاحترام لمنطق العقل في هذا الشأن هو الذي يتحلى به المؤمنون , وهو الصفة الأولى من صفات المتقين .
(ويقيمون الصلاة) سلوك ناتج عن تحقيق ما سبقه أي الايمان بالغيب وأول الغيب هو الخالق المعبود "الله" وإقامة الصلاة : هو التوجهبالعبادة كوسيلة إقرار بوجود القوة الغيبية المطلقة "الله" الخالق المتفضل بالربوبية (حمد وتسبيح) توصيل السبب بواجب الوجود , ويجد لحياته غاية أعلى من أن تستغرق في الأرض وحاجات الأرض وهذا السلوك التعبدي مصدر قوة للضمير وعامل هام من عوامل تربية الشخصية , وجعلها روحانية التصور و الشعور و السلوك .
(ومما رزقناهم ينفقون) والإنفاق كالصلاة فهو من العبادات لما فيه من إقرار بنعمة الخالق  وبهذا الإقرار يكون الإقرار بحق المعوزين مما ينتج عنه التضامن الاجتماعي بمصطلحة البشري المعاصر, فيكون القرآن قد سبق إعجازا في هذا العلم وقيمة هذا كله تتجلى في أنها ترد الحياة مجال تعاون لا معترك تطاحن , وأنها تؤمن العاجز والضعيف والقاصر فتبني المجتمعات الإنسانية المتكاملة القوية والإنفاق يشمل الزكاة والصدقة , وسائر ما ينفق في وجوه البر . وقد شرع الإنفاق قبل أن تشرع الزكاة , لأنه الأصل الشامل الذي تخصصه نصوص الزكاة ولا تستوعبه 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق