الباحث/ عطية مرجان أبوزر
الذين هادوا :- ليسوا عامة اليهود , بل هم ثلة منهم من أتباع موسى عليه السلام الذين تابوا إلى ربهم من بعد معصيته بدليل الآية " وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ .." [الأعراف : 156] والذين هادوا هم من آمنوا بموسى عليه السلام، وماتوا على ذلك قبل بعثة عيسى عليه السلام أو أدركوه وآمنوا به، ومنهم من كان بعد وقد جاء بيانهم في القرآن في الآيات : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
لقد تم خلط بين دلالة كلمة (اليهود) ، وكلمة (هادوا) ، نظراً لاشتراكهما بالجذر ذاته ,و الذي أصله(هد) فبعد إزالة أحرف المد من الكلمة يكون لها لفظان :- (هَوَدَ ، وهادَ ) كقولنا(الرحمن) و(الرحيم) ، فكلتاهما خرجتا من جذر واحد وهو (رحم)، ولكن دلالتيهما مختلفتان
بتدبر الآيات القرآنية أعلاه نجد الملاحظات التالية في التعريف القرآني بالذين هادوا مع بيان تمييزهم عن اليهود :
الرحمن:في اللغة والبيان دلت على وزن فعلان كونها متعلقة بالحالات الثنائية, الضدية و المتكاملة , فصفة (شبعان) يكمن في داخلها ضدها , التي هي (جوعان) ، ولا يمكن وجود أحدهما دون تصور الآخر، وصفة (الرحمن) أُطلقت على فعل الله تعالى لأنه خلق الخلق على قانون الثنائيات بدليل قوله "وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات : 49] فتعلقت كلمة (الرحمن) بالاستخدام القرآني بصفة العلم ، والخلق ، والفعل ، ولم ترد بسياق الرحمة أبداً, وبملاحظة الآيات التي ذكرت اسمالرحمن نلاحظ كيف تأتي كلمة الرحمن في سياق الضر والعذاب مثلا، وهذه الأفعال لا تناسب دلالة كلمة الرحيم ؛ التي تصدر الرحمة الخالصة , ومن المعروف أن النص القرآني منزه عن الحشو والعبث ، وأن كل كلمة لها دلالة مستقلة عن الأخرى ، وأن اختلاف المبنى يؤدي إلى اختلاف المعنى ، وبالتالي لا يمكن أن تكون دلالة كلمة (الرحمن) ، هي ذات دلالة ( الرحيم) في مثل قوله تعالى: ( بسم الله الرحمن الرحيم) ، ما يدل على أن كلمة (الرحمن) تدل على صفة إيجاد الفعل بصورة ثنائية من خلال عملية الولادة من علاقتهما ببعضهما ، وتم التعبير عن ذلك بقوله تعالى: ( الرحمن على العرش استوى) وكلمة (الرحيم) تدل على المغفرة والتجاوز عن الأخطاء ، والمعاملة للآخر من منطلق الكمال والأحسن، فالرحمن؛ يفعل ويُوَلّد الأشياء من العلاقات الثنائية ، والرحيم ؛ يرحم وبذلك تكون كلمة الرحمن قد جاءت في القران بمصطلح العلم ، والخلق ، والفعل ، ولم ترد بسياق الرحمة أبداً ,
هاد: كلمة تدل على مثال قولنا: التمايل إثناء المشي، كقولنا تمايل الرجل في مشيته,
هَوَدَ: نحو قولنا: هَوَدَ الرجل في أمره ، إذا تأرجح فيه وتردد, وفي السياسة قالوا "تهويد القدس" أي تحويلها من الاسلام لليهودية بهدم المقدسات الاسلامية وبناء مقدسات يهودية مكانها وترحيل المسلمين وتوطين اليهود مكانهم .
ومضارع ( هادَ ) هو ( يهيدُ ) ، وليس (يهودُ) ، لأن مضارع (هَوَدَ) هو (يَهودُ ) ، مثل ( بَوَرَ ، يَبورُ) ولنرى استخدام القرآن لكل من كلمة (هادوا) ، وكلمة (يهود) .
المتتبع لكلمة (اليهود) في القرآن يجد أنها دائماً تُذكر بسياق اللعن، والغضب، والذم، ولم يوجه الله خطاب التشريع لهم، ولم يبعث فيهم أنبياء، بخلاف الذين هادوا فقد توجه الشارع لهم بالخطاب والتكليف، وعدم توجيه الخطاب لليهود شيء طبيعي، لأن الناس الذين ارتضوا لأنفسهم صفة (التهود) ؛ لا يصلحون للخطاب، لأنهم لا يسمعون إلا صوتهم، ولا يرون إلا أنفسهم، وهم أحاديو النظرة إلى الحياة ، ومنغلقون على أنفسهم، وعدوانيون، وإرهابيون، فهم بمثابة سرطان اجتماعي يُهلك أي فكر، أو ثقافة يتكاثرون فيها ونستدل بقوله تعالى في هذا: ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة لِلَذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لايستكبرون)المائدة 82 وقوله (وقالت اليهود يد الله مغلولة غُلت أيديهم ولعنوا بما قالوا)المائدة 64
فكلمة ( اليهود ) لا تدل على أتباع النبي موسى ولا علاقة لهم ببني إسرائيل، فهم ليسوا أتباع أي نبي، ولا يوجد عندهم كتاب إلهي، ولا تدل على عرق، وإنما تدل على ملة مجتمعة على عقيدة معينة، تقوم على النظرة الأحادية، والفوقية ،والانغلاق على الذات، ومشبعة بالحقد، والكراهية للآخر إلى درجة إزالته من الحياة، ويتبنون في دعوتهم الإرهاب والعدوانية، وهذه الصفات لا دين لها، أو جنس، وإنما يمكن أن تنشأ وتتكاثر في أي فكر، أو ثقافة بصورة فيروسية، وبالتالي يصير من ينهج هذا المنحى من التطرف؛ يهودياً،ولو كان في الظاهر ينتمي إلى الإسلام،أو المسيحية،أو غيرهما . وهؤلاء (اليهود) الذين ارتضوا لأنفسهم هذا المنهج اليهودي ؛ هم الذين لعنهم الله، وغضب عليهم في كل زمان ومكان ، ومسخهم قردة وخنازيراً. اقرأ قوله تعالى : ( قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل) المائدة 60، والمسخ لهم؛ إنما هو مسخ نفسي ، لا مسخ جسمي ، بمعنى أنهم صاروا مثل القردة في عملية التقليد الأحمق ، ومثل الخنازير دناءة وفساداً وخبثاً ، وهؤلاء الممسوخين ؛ هم من نَهَجَ فكر التَهود ، فصار يهودياً ، بغض النظر عن انتمائه العرقي ، أو الطائفي .
لذا ؛ ما ينبغي أن ينتسب الإنسان ذو الفكر السلمي المنفتح على الآخرين ؛ إلى اليهودية ، لأن ذلك يُسيء إليه ، ويتناقض مع معطيات فكره ، ويعرض نفسه للاحتقار من قبل الآخرين الذين لا يعرفونه على حقيقته ، وبناء على ما ذكرت ينبغي ضبط المفاهيم ، واستخدامها بصورة صائبة، حتى لا يتم الخلط، أو التلاعب فيها ، واستغلال العاطفة الدينية للشعوب . فمن كان ينتسب إلى النبي موسى, فليُسمِّ نفسه؛ موسوياً، أو إبراهيمياً،أو مسلماً، وينبغي حذف اسم إسرائيل عن سلطة اليهود ، واستخدام الوصف المناسب لهم ، وهو؛ الكيان اليهودي الغاصب ، وتوضيح أن هؤلاء اليهود ليسوا أتباع النبي موسى، ولا يُمثلون ذرية بني إسرائيل، وإنما هم ؛ كتلة يهودية إرهابية متطرفة ، لا دين لها قط
بهذا البيان القرآني الرائع فصلت لنا الآيات تعريف الذين هادوا , وهناك خطأ شائع بين عامة الناس في عدم التمييز بينهم وبين اليهود , والله المستعان..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق