السبت، 20 نوفمبر 2021

ماهية العقل في القرآن الكريم

الحمد لله رب العالمين والصلاة على خاتم النبيين والسلام على الأنبياء جميعهم والمرسلين المُكرمين وبعد:

منذ أن كنا نتلقى العلم صغارا على مقاعد المدرسة وحتى مدرجات الجامعة على اختلاف تخصصاتها ونحن نتلقى مختلف العلوم المنسوبة إلى نتائج الأبحاث العلمية البشرية التي بشر بها العلماء على اختلاف تخصصاتهم وجنسياتهم, في مجالات فلكية وكيمائية وفيزياء, طب , تشريح, رصد,تجارب,..الخ , علومنا الأكاديمية وضعها مؤلفي المناهج الدراسية , مستقاة من عديد المراجع المنسوبة إلى علماء أفنوا حياتهم في البحث والتجريب ووضع الفرائض والانتهاء بالبراهين, وتكدست هذه العلوم في عقولنا وكبرت معنا حتى تأصلت حتى بات مجرد الشك في فرضية علمية متأصلة في عقولنا مثار للجدل والاختلاف والأخذ والرد,رغم أن المتفق عليه أن العلوم البشرية قابلة للتغير والتطوير وحتى الشطب مع كل نهضة جديدة لوسائل البحث والتجريب العلمي, ومن العلوم ما تم  شطبه نهائيا ومنها ما جرى تعديلها, وفي كل الأحوال أنه من المؤكد أن العلوم البشرية لا يمكن أنتكون من الثوابت .

أمام هذه الحقائق كان لابد للبشرية من وقفة تدبر لمرجعية العلم الأصل ومصدر العلوم الغير قابل للشك أو القابل للتغيير , تلك المرجعية هي الكائنة عند رب الناس خالق الأرض والسماء والإنسان والحيوان العليم بأحوالها وأسرارها, باطنها وظاهرها , خالق الكون وما فيه والأعلم بكل صغيرة وكبيرة في خلقه ونظام وجوده ماضيه وحاضره ومستقبلة...الخ.

أمام هذه الثوابت يرى العاقل أن استقاء علمه الأساس لا يكون مبنيا على حقائق إن لم تعتمد المرجعية الأصل, قال خالق الكون وما فيه سبحانه"اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ [الأعراف : 3] في النص القرآني توجيه رباني صريح للناس لاعتماد المرجعية العلمية الأصل والنهي عن إتباع ما دونه من مدعي العلم , وهذا لا يعني بالتأكيد الدعوة إلى عدم التفكر والتعلم والتجربة , بل بالعكس فقد دعا القرآن الكريم مرارا وتكرارا إلى ذلك, فخاطب الناس كافة مرارا بالتعميم ومرارا بالتخصيص, حيث قسمه القرآن الناس إلى أقوام متخصصة فكان منهم حسب ما صنف ما يلي:

العقل في اللغة العربية : وتفيد المعاجم اللغوية بأن العقل يؤدي الإدراك والفهم والتدبر والمعرفة الخطأ، واللغة تسبغ على العقل سمة إدراك الأشياء وتحدد وظيفته في الوعي بما يثبت الحقيقة، مع تضمين التأني في القيام بعمله، وهو التدبر والتفكر، أي عملية التعقل التي تتوجب أحياناً الصبر، والعقل ملكته الفطرية يؤدي وظيفته لكونه مجبولاً على العلم بضروريات اكتساب المعرفة، وهي المعرفة الأولية والمنطقات الأولى التي بدونها يستحيل أن ينتظم العقل وفق معرفة ما.

1. هل أنت علي يقين من أن السكر ذو طعم " حلو " ؟
2. هل أنت علي يقين من ان الملح ذو طعم " مالح " ؟
3. هل العقل يصير الحواس أم ان الحواس تصير العقل؟
4. هل تستطيع الحواس أن تخدع العقل ؟
5. هل " الشك " هو الطريق الذي نتبعه لأدراك " الإدراك " ؟
6. هل يجب علينا أن نشك في كل شئ حتى نُدرك

 إن الإسلام يرفع من شأن العقل ويأمر باستخدامه في قضايا الحياة الصغرى منها والكبرى وجعل الذين يحكمون عقولهم ويستنفدون طاقات تفكيرهم في كشف حقائق الحياة وتدبر أسرارها وحدهم أهلا لأن يوجه إليهم الخطاب وأما أولئك الذين أوقفوا حركة العقل وأوصدوا في وجهه باب المعرفة فليس لهم من شرف الإنسانية حظ ولا من كرامة البشر نصيب وإذا استعرضنا ما جاء في القرآن الكريم وحده في معرض الثناء على العقل أو في سياق الحث على إعماله والنهي عن إهماله وجدنا أنه قد ذكر في القرآن الكريم وحده ما يقرب من سبعين مرة, فالشريعة لم تتبين إلا بالعقل والعقل لن يهتدي إلا بالشريعة والحقائق العلمية إما أن تكون فكرية محضة وإما أن تكون مستندة إلى الحواس.

أولا: الفكرية المحضة:- كثير من الحقائق لا يتوقف إثباتها على الحواس بل يكفي في إثباتها الفكر وحده دون حاجة إلى تأييدها بمشاهدة أو تجربة, ومن هذه الحقائق ما يسمى (بالبديهيات) وهي القضايا التي إذا عرضت على العقل السليم كان مجرد عرضها كافيا في إثباتها والتسليم بمقتضياتها فهي في غنى عن أن يبرهن عليها مثل الواحد نصف الاثنين, و الضد أن لا يجتمعان والأثر لا بد له من مؤثر وما شابه ذلك.

هذه الحقائق البديهية هي الأساس في إثبات القضايا العقلية المحضة ولولا هذه الحقائق البديهية الفطرية المودعة في كل نفس لما استطاع الإنسان الوصول إلى حقيقة عقلية, إذ لا بد للإنسان في طريق وصوله إلى حقيقة عقلية من أن يستند إلى هذه البديهيات وأن يجعلها العماد الذي يرتكز عليه في حياته العقلية.

ثانيا- الفكرية المستندة إلى الحواس أو التجربة: هناك نوع من القضايا العلمية اليقينية ما يكون الفكر فيها وسيلة فقط وهو مفتقر في إثباتها إلى أن يستند إلى الحس أو التجربة, مثل المعادن تتمدد بالحرارة, والماء مركب من الأوكسجين والهيدروجين, والحديد جسم صلب والحرير ناعم, وما شابه ذلك وهذه الحقائق وإن كانت لها مكانة معتبرة في الاستدلال لكنها لا تبلغ من حيث التقويم منزلة القسم الأول في الاستدلال ذلك لأن الإدراك الحسي قد يعتريه الخطأ كمن هو مصاب بمرض عمى الألوان فقد يحكم على

اللون الأحمر بأنه أصفر أو بالعكس ومن أسباب الخطأ الضلال ويكون بسبب التفسير الخاطئ الناجم عن الحالة النفسية للشخص فالخائف ينظر إلى ظل شجرة فيحسبها شخصا يتربص به, أو يرى ثوبا معلقا فيتوهمه شبحا ينقض عليه, والتجربة إنما تبرهن عن نفسها في الماضي والحاضر فقط أما في المستقبل فلا تستطيع أن تثبت نفسها فيه, لأن التجربة مبنية على أن شيئا ما قد تكرر على شكل معين, ومن تكراره فقط نشأت علميته, والتكرار إنما كان في الماضي ويمكن التأكد منه في الحال أما في المستقبل حال كونه مستقبلا فلا يمكن التكرار فيه لأنه لم يأت, وإذا جاء وأمكن التكرار فيه أصبح ماضيا, ومن الممكن أن تنحل القضايا التجريبية في يوم من الأيام بتجارب أخرى جديدة, ولكن ليس في الإمكان أن ينحل دليل عقلي منطقي. قال ستيوارت ميل الفيلسوف الإنكليزي وهو من أكبر علماء المذهب التجريبي: إنه وإن كانت بعض التجارب غير منحلة وغير منتقضة فليست كل تجربة ممكنة الانحلال والانتقاض. على أن ذلك لا يكون طاعنا في الدليل المستند إلى الحسن والتجربة بل ليتبين عند التقويم ما للقضايا الأخرى, ثم إننا من جهة أخرى نجد أن العقل وحده هو الذي يفسر التجربة والمحسوس ويستخرج منهما المعنى الذهني, وهما ليسا بشيء بدون العقل فالإحساس بدونه أمي والتجربة بدونه خرساء.

1. العقل و العقلاء في القرآن : ذكر القرآن الكريم العقل والعقلاء (خمسون) مرة في رحابه بما فيه بعض أجزاء العقل كالناصية ومما جاء في ذلك, وقد أخضع القرآن آياته المدركة لتصديق العقل لها فاختتم بعض الآيات الكريمة بقوله " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " مشترطا " بأن" مشيرا " بذلك" مؤكدا بلام التأكيد, مكررا التأكيد بها خاتما بقوله"لقوم يعقلون" وقد جرى النظم القرآني دوما على استباق هذا النص ببيان وتفصيل الآية المشار إليها" بذلك", كقوله "وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ" ثم يقول" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [النحل : 12] وعليه يحدد النص في السياق المعلومة المطلوب تدبرها من قبل العقل البشري ككلمة "سَخَّرَ",وكلمة سخر تكون هي المحور التي يدور حولها العلم القرآني المبشر (لقوم يعقلون), من هنا تكون الدعوة القرآنية للعقل للنشاط عملا لتحليل المعلومة المعطاة كونه العضو البشري المسئول عن عمليات تحليل المعلومات أو (تدبرها) بالمعنى القرآني,وعليه لا يتطلب منه سوى طرح السؤال الافتراضي و بالأسلوب العلمي الفطري ( كيف تم التسخير ولماذا كان؟ )

هذا ما أراده العلم القرآني من إشراك للعقل البشري بعدما وضع المعلومة قيد التدبر فقال" َسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ.." ثم طالب العقل بالتدبر أو تحليل المعلومة على ضخامتها, ولم يشأ القرآن أن يكون محاضرا ملقنا للمعلومات,أو كتابا علميا متخصصا بل احترم العقل البشري, فوفر له مادة التحليل والتدبر وطالبه بالنشاط لوضع الفرضيات وإجراء المقارنات والقياسات ,والبحث والتجريب وكل ما يكون للإنسان العاقل من الوسائل المساعدة للوصول إلى البرهان وفهم الكيفية والسببية .

قول القرآن " لقوم يعقلون" اختلف كثيرا عن قوله لقوم يعلمون أو يتفكرون أو يبصرون وغيرها, فتلك قضايا حدد وخصص فيها الفئة المدعوة لتدبرها,للتأكيد على أن الموضوع مختص بالعقل دون القلب أو البصر وغيرها, على اعتبار أن القضية تختص بتحليل معلومة كيفية حركة الشمس والقمر وعلاقتها بالليل والنهار علاقة فهم لا تحتاج إلى معامل مخبريه أو تجارب تشريحية ولا تحتاج لأكثر من تعقل وتحليل يمكن أن يتطلب تحليلا رياضيا كحساب الزمن الناتج عن تنقل الأوقات الناتج عن حركة الضوء الشمسي الساقط على الأرض.

القرآن لم يبخل بالبيان والتفصيل في المعلومات فتجده يبين ويفصل ويكرر في المعلومة الواحدة ,فيقول مثلا :" فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [الأنعام : 96] " لننظر إلى نص الآية حيث تتمركز كلمات محورية للتدبر هي( فالق) مصطلح يوجب التوقف لفهم معناه , ففلق الضوء من الظلام والعكس هذه قضية علمية عقلية عظيمة تتطلب عقلاء عظماء لفهمها والوقوف على كنهها,وليست مجرد كلمة زائدة أو هي مجرد اسم مستعرض أو صفة من صفات الله تعالى(فالق الإصباح) بل هي معلومة كاملة عظيمة تحدى بها القرآن البشرية جمعاء عقلاءها وعلماءها , وقد عزز القرآن هذه المعلومة بأخرى فقال" إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى.." [الأنعام : 95] " ذلك ليساعد العقل المدعو على مزيد من التدبر لئلا يبتعد في التحليل حين يخوض في فهم ( الفلق) المتعلق بفلق الضياء اللامحسوس فمنحة فلق آخر محسوس وهو البذر والنوى , هكذا يعلم القرآن الناس بمزيد من البيان والتفصيل دوما وهو الشاهد على ذاته بذلك القائل فيه "تَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ " .

المرتكز الثاني في الآية كان في كلمة "جعل" وفيها دعوة أخرى للتحليل على اعتبار المشار إليه من المعلومات في النص – مجعولة- أي قابلة للإنهاء أو التغيير والتبديل , فتذكر العاقل المتدبر بأن في هذه المعلومات ثمة متغيرات ,كطول وقصر المدة الزمنية لليل والنهار واختلاف بعد الأرض والقمر عن الشمس , وعلى العاقل المتدبر أن يتنبه لهذه الظواهر فلا تغيب عن تحليلاته, وقبل أن يغوص العاقل المتدبر في شأنه أو ينكر أو يشك تكثف الآية من معطيات العلم فتقول" حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ " تضيف مرتكزين علميين آخرين, مفادهما أن المشار إلية محسوب( رياضيا) ثم تقدير أي دقيق الحساب , وفي موضع آخر قال" وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ " .

ذلك مجرد مثال فقط وضعته بين يدي القارئ على دعوة القرآن لفئة العقلاء من الناس مع آية واحدة من أصل خمسون مخاطبة قرآنية .وسنعود بعون الله للبيان في قضية الفلق والنور كقضايا كذب العلم البشري بشأنها وصحح القرآن للناس مصطلحات العلم الخاطئة حين أنكر عليه أكذوبة مسمى(الضوء) فقال للناس ليس هناك شيء يمكن أن يسمى ضوءا ,بل ما ترونه هو (ضياء) ولم يأت المصطلح العلمي في القرآن على ذكر كلمة (ضوء) ولا لمرة واحدة في حين كرر كلمة (ضياء) في متونه الكريمة ثلاث مرات , ثم فصل كثيرا في بيان الفرق بين الضياء والنور وهي قضية لازالت ملتبسة على العلوم البشرية, سنتعرض لهذه القضية أيضا في مكانها بعون الله.

 وقبل أن نغادر ساحة العقل والعقلاء سنتوقف قليلا في هذه المحطة لنضع العقل تحت المجهر القرآني لنتعرف على ماهيته مقارنة بالتعريف البشري له .

تحدث العلم القرآني كثيرا عن (العقل) وأجزاءه, وعن تفرعاته وماهيته وكينونته ومهامه , وسنأخذ أمثلة قليلة بغرض البيان فقط:

فصل لنا العلم القرآني علاقات العقل بأعضاء الجسم الأخرى ليصل بنا إلى تعريف العقل بأسلوب تعليمي تدريجي ,قال الرب العليم جل وعلا شأنه:" وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ [البقرة : 171] " اختصرت هذه الآية كل وسائل العون والدعم المساندة للعقل فهي( وسائل الحس البشري) حيث كان السمع والبصر والنطق كناية عنها, ثم عاد العلم القرآني للتفصيل كما عهدناه في كل قضية علمية فكرر للبيان متعهدا بذلك حين قال" كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة : 242] " ففصل كما تعهد فقال ان للعقل مهام محددة تتضافر جهود عدد من أعضاء الجسم لإعانته على توفير المعلومات التي يرسلها كل عضو من جهته إلى العقل ’ والذي يقوم بدورة بعمليات معالجة معقدة لها بدءا بالتنسيق والفرز ثم الربط والمقارنة فالإضافة والتعديل والحذف ووضع الفرائض وإجراء العمليات اللازمة للخروج بالنتيجة(الحكم) .

 أ‌. البصر – العين :- قال تعالى:"..َيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة : 73], العضو البشري الأول المتعلق بالعقل هو الرؤية ( أي البصر) على اعتبار أن البصر أداة مساعدة للعقل ترسل له المعلومات القابلة للحفظ والأرشفة والتحليل( المعلومات المرئية تختص بعلوم العقل فيما يتعلق بالمواد المرئية - بالشكل والأبعاد والألوان).

ب‌. قال عز من قائل: "ألم نجعل له عينين؟ ولسانا وشفتين" (1البلد-7-8) المعنى والاستفهام في النص تقريري هذا الدرس القرآني جاء في أجلّ معانيه اللغوية؛ فرتب (تبصّرا في المرئي)، ثم (وتفكّرا في رأى)، ثم(تداول الفكر بين المرء ونفسه بالإيمان به) ، ثم (التعبير عن ما آمن به باللسان وإخراجه كلاما من الشفتين.

كثر ورود الآيات التي تدعو الإنسان إلى السير في الأرض والنظر في عواقب الأمم الغابرة، والقرون الخالية( أي النظر في التأريخ)على نحو ما نجده في قوله تعالى: "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين" [النمل : 69] وقوله " وقوله "فانظر إلى آثار رحمة ربك" وقوله عز وجل "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق"

وقد تنبه العلماء المسلمون إلى هذه الحقيقة من قبل، ويتضح ذلك في كثير من أقولهم، ومن ذلك على سبيل المثال قول ابن حزم في معرض حديثه عن الأجرام السماوية " أما معرفة قطعها في أفلاكها، وآناء ذلك ومطالعها وأبعادها وارتفاعها واختلاف مراكز أفلاكها، فعلم صحيح يشرف به الناظر فيه على عظيم قدرة الله عز وجل، وعلى يقين تأثيره وصنعته واختراعه تعالى للعالم بما فيه، وفيه الذي يضطر إلى الإقرار بالخالق" ابن حزم ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل، ط. مصر 1317هـ. ج 5، ص37..

 العبن سبيل الإنسان لإدراك كنه ما تراه وكان للعين في الإسلام قيمتها العظيمة فاعتر الإسلام تساوي نصف الجسد حين جعل لها نصف الدية,الشارع, ذلك أن العينين هما نصف الإنسان، ومن تسبب في عمى امرئ فكأنما تسبب في موته؛ لأنه يحرمه بذلك نعمة الإدراك، ومتعة التأمل المؤدي إلى الإيمان.

ويرجع إلى ما تقدم قول النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أن الله قال "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر، عوضته عنهما الجنة" 

يريد عينيه. انظر إلى هذه التسمية: حبيبتيه! وإلى هذا الجزاء: الجنة!

العين أجلّ الحواس:

تعد العين أهم الحواس على الإطلاق، ذلك بما تُغني عنها في كثير من الأحوال، وبما هي أداة الملاحظة والاستقراء اللذين يقوم عليهما العلم، وبما هي مصداق العلم وموضع التثبت مما يتوصل إليه الإنسان في مجاله، والأدلة على ذلك أكثر من أن يحاط بها، وفيما يلي، أورد طائفة من هذه الأدلة تبدي حقيقة ما نحن بصدده أي خضوع النشاط العقلي لأدراك ظاهرة بصرية:

أ . التقويم القمريّ:

يلاحظ العالم باللغات وعلم الفلك أن التقويم القمري سبق التقويم الشمسي بقرون طويلة، وأن الشعوب كانت تعتمد دورة القمر في التعليم على حدود الزمان ذلك لأنها مما يدرك بالحس البصري، ولأن اعتماد الإنسان على حسه سبق اعتماده على عقله بزمان، ومصداق ذلك قول مدبر الكون عز وجل " هو الذي جعل الشمس ضياء، والقمر نورا، وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب" [يونس : 5] وقوله: " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ" [البقرة : 189]

ويتضح ما أسلفنا في أن الألفاظ التي تدل على الحد الزمني "شهر" أي هي مدة دورة القمر ـ وردت في كثير من اللغات مشتقة من الألفاظ التي تدل على القمر، بل هي الألفاظ نفسها في كثير من اللغات، ومن أمثلة ذلك:

1.في العربية:حيث تنصرف الكلمة "شهر" لدلالة أصلية على معنى الهلال، ثم للحد الزمني المعلم عليه بدورة القمر، فكأن الهلال "الشهر" يعلن "بشهر" بداية الحد الزمني لدورة قمرية كاملة,وفي السريانية هي (سهرا) وفي العبرية (سوهر) وباستعمال تراجم اللغات وجدنا معناها في بعض اللغات كالأتي:- في الفارسية تنصرف كلمة "ماه" لكل من القمر والشهر معا’وفي السواحيلية: وهي لغة شرق إفريقية، تستخدم كلمة "مويزي" في التعبير عن كل من القمر والشهر أيضا.وفي البربرية وبعض لهجاتها تستخدم كلمة "تليت" بمعنى شهر، وبمعنى قمر,وفي اللاتينية: Luna، وتعني قمر، وكذلك في الروسية، Nova Luna وتعني شهر، وفي الانجليزية "مون" Moon بمعنى قمر وهي ليست بعيدة عن Month بمعنى شهر.

قال تعالى: " الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ [الرحمن : 5] وقال في محكم القرآن " إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ " فكان العلم القرآني هو المصدر الأصل الغير قابل للتغيير كمثل العلوم البشرية, وكان تحكيمه للعقل في هذه القضية تحكيم إدراك لشيء مبصر.

العين والمعرفة:

ولم نقل العين والعلم، لأن المعرفة أوعى وأشمل؛ فكل علم هو بعض المعارف، وليس العكس صحيحا.نقول أن للعين دور يبدو واضحا في أثرها في العقل وفلسفة الحياة. وفي لساننا العربي من الألفاظ والمعاني ما ينم عن تلك العظمة وذلك العمق، ولك أن تستبين ذلك في تقليب المفردات الآتية:

1. الرأي: وهو الفكرة ووجهة النظر اللتين يستخلصهما الإنسان من موضوع ما، جراء اختبار بعض المقدمات والإرهاصات. واشتقاق الكلمة من الأصل (رأي) وهو أصلا لدلالة تقع على فعل العين، وهو الرؤية. فكأن الرؤية بالعين تقود إلى تمام المعرفة.

2. البصيرة والبُصر، بمعنى الإدراك ، والعلم بالشيء والخبرة به. قال تعالى "أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني" أي على علم، والله بصير بعباده، أي عليم. والبصر كما هو معروف، هو فعل العين المعروف، أي إدراكها المرئيات من حولها. ولما كان هو والرؤية سبيل الإنسان إلى العلم، فقد صرف الرأي والبصر والبصيرة لمعنى العلم أيضا.

3. النظر: وهو أيضا فعل العين، وفلان ذو نظر في الأمور، إذا كان عارفا بمجرياتها، عالما بدقائقها التي تخفى على العامة. وتتضح هذه الدلالة للنظر في قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام، قبل أن يخرج من حيرته "فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم" حيث المعنى أنه استقرى هيئة النجوم واستخلص منها ما علم وجعله يقول "إني سقيم".

ويتضح أثر العين في أحداث العلم والتثبت في الأمور كلها، ومن ذلك أن الله تعالى اعتمد شهادة الإبصار دون شهادة السمع وغيرها في بعض الحدود والأحكام، كصوم رمضان برؤية الهلال، وكما هي الحال في حد الزنا على سبيل المثال.

ولا نبالغ إن قلنا أن حاسة البصر تسد مسد بعض الحواس،فهي تغني عن حاسة اللمس للكشف عن خشونة الأجسام وملاستها، كما تغني عن حاستي الذوق والشم في بعض الأحوال، عندما يكون تمييز مصدر الطعم أو الرائحة بوساطة العين أمرا ممكنا.

ومرد خطورة العين إلى أنها ترتبط بالدماغ ارتباطا أوثق من ارتباط غيرها من الحواس الأخرى، ولأنها أكثر تأثيرا من غيرها وأدق في التحقق مما يقع خارج الجسم، أما رأيت أن الإنسان يشم الرائحة أو يسمع الصوت أو يلمس الشيء، فإذا لم يتحقق منه استعان بعينه ليصل إلى القول الفصل؟
 

والأدلة على مكانة العين كثيرة في القرآن كقوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام "رب أرني كيف تحيي الموتى"والرؤية هنا مادية لأن إحياء الموتى إنما يكون ببعث الحركة فيهم، والحركة تدرك بحاسة البصر, وكان رده تعالى عليه "أولم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي" إذا فالرؤية هي سبيل الإنسان إلى الإيمان وهي دعامته، وتؤدي إلى طمأنينة القلب، وإزالة الشك، والتيقن، وهذان هما أساس للعلم .والبصر أدق في نقل المعلومات من السمع،لان العين تدرك الواقع الذي تكون عليه المرئيات، بينما تدرك الأذن موجات صوتية يترجمها العقل إلى معان، أي أن الأذن تتعامل مع رموز المرئيات والمعاني التي هي الكلمات، وليس معها هي ذاتها. وبعبارة أخرى، أن العين تدرك الأشياء مباشرة، أما الأذن فعلى نحو غير مباشر، وإنما تكمن الدقة في المباشرة،

الألوان لا يمكن أن تدرك بغير البصر وأضيف أن معظم المعاني إنما تدرك بحاسة البصر، وقد يشاركها في ذلك بعض الحواس. كالطول والقصر، والعلو والانخفاض، والجمال والقبح، ونحو ذلك، إضافة إلى كل الذات والأجرام، مما يؤكد أن العين هي الطريق الأعظم الذي يصل بين العقل والعالم الخارجي.

أن الله سبحانه وتعالى أمر الناس بعرض المسموع على محك الشك حتى تثبت صحته، ولا يكون ذلك إلا بالعين في الغالب، ويتضح في قوله تعالى: "إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة"

كانت معجزات الأنبياء مما يدرك بالعين في معظم أحوالها. ومن هنا كان فضل "الذين يؤمنون بالغيب" أكبر على الذين تيسرت لهم فرصة المشاهدة.

وليس ما سبق يعني بالضرورة أن العين لا تكذب صاحبها، بالرغم من بلوغها مكانة خطيرة في تقرير المعارف فان كثيرا من الخدع تنطلي على العين كما فعل سحرة فرعون بأعين الناس حين غلبوا موسى عليه السلام على نحو ما يتضح في قوله تعالى "سحروا أعين الناس" ولأن العين تخدع فقد أسند الله عز وجل التكذيب المنفي (التصديق) إلى الفؤاد في قوله تعالى: "ما كذب الفؤاد ما رأى" والبصيرة أسمى من البصر، والرأي أسمى من الرؤية، وما يدرك بالأسمى أسمى مما يدرك به، وأجل وأحق بالعبادة.وسبحان القائل: "أولم يتفكروا في أنفسهم" " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق" 

ت‌. السمع:قال تعالى" يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة : 75] " أداة مساعدة أخرى من الأدوات المعينة للعقل وهي السمع , قال سبحانه سمعوا فعقلوا , بمعنى أن ما جرى سماعه تم تحليله عقليا فثبت صدقه فبات علما ومعرفة, بهذا ينبئ العلم القرآني بأكثر من معلومة في هذا النص الأولى : أن السمع من الأدوات المساعدة للعقل كمصدر للمعلومات القابلة للتحليل , وهي الأصوات بأنواعها واختلاف مصادرها, أما الثانية فهي: بيان قرآني لإحدى مهام العقل وهي مهمة العلم مبينا أن المعلوم للعقل هو ما سبق استيراد المعلومات عنه حسيا أو بصريا أو سمعيا وتحليها والثقة بها ثم حفظها , هذا هو تعريف ماهية العلم في القرآن ( الشيء الذي توفرت مواصفاته صوتا وحسا وسمعا بواسطة وسائل التعرف البشرية وأرسلتها هذه الوسائل للعقل فقام بعلاجها في عمليات معقده منها المقارنة بسواها ومنها إضافة الجديد إليها ومنها التأكد واليقين له أنه باتت صالحة للحفظ بعد التقييم فيكون هذا الشيء بالنتيجة وبعد الحفظ قد صار معرفة, تضاف إلى المعارف الأسبق قابلة للتأثر بالمعلومات الأحدث بعد إجراء العمليات العقلية الأخرى عليه , فيكون الإجمال لهذا الكم ألمعلوماتي هو المعرفة.

ث‌. الأخذ بالنصيحة من المصدر الموثوق هي من مهام العقل, قال تعالى" ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام : 151] " لان النصيحة تحتاج للتدبر والتدبر هو التمييز والتمييز يقوم على تحليل ومقارنة المعلومات المتوافرة وما النصيحة إلا دعوة لتنشيط العقل لتدبرها فان حكم بالتصديق أخذ بها منهجا وإن خانه التحليل والتمييز كان المصدر للحكم كاذبا وقد علمنا القرآن ذلك عن مركز الحكم في العقل فقال" ناصية كاذبة خاطئة"

ج‌. اللغة : من عوامل التعقل وأداة مساعدة للعقل إلى جانب البصر والسمع قال تعالى" إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف : 2] " هذه الإشارة العلمية القرآنية للغة العربية مقرنة بعلوم القرآن تحديدا, ونضرب مثلا على الكلمات العربية المعجمية التي لا تقابلها كلمات تفسرها في اللغات الأخرى مما يلزم الباحث في علوم القرآن الالتزام بهذه المصطلحات وعدم إخضاعها للمصطلحات البشرية كمثل ترجمتك لكلمة (النور) بالضوء, أو ترجمتك لنص( الشمس تجري في فلكها) بجملة الشمس تسير في مدارها , فالجريان له معنى في القرآن يختلف عن السير العادي والفلك أيضا له معناه الذي يختلف عن المدار, لهذا نصدق قول القرآن بان اللغة مصدر من مصادر العلم, ووسيلة من وسائل إسناد العقل.

ح‌. الإيحاء : قال تعالى" وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم ....أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [يوسف : 109] " الإيحاء الرباني بحد ذاته من أكبر مصادر العلم ونستدل بإعجاز الإيحاء للنحل, هذا المخلوق الصغير العجيب في سلوكه ونظامه وإنتاجه , كل ما فيه كان وحيا بدليل قول الله تعالى"وأوحى ربك إلى النحل أن .... " كذلك هي علوم الأنبياء والرسل كلها من الوحي وللمثال فقط نقول ذلك هو محمد النبي الأمي الذي خلا زمنه من عالم واحد قال أن أصل الجنين في بطن أمه يكون علقة فمضغة وأشهر علوم ذلك الزمان قالت أن أصل الجنين يتكون من دم حيض المرأة في حين كانت علوم محمد النبي الأمي ( أنها من أمشاج ...) هذه العلوم ما كانت للناس غير المسلمين إلا حديثا , وعلوم المسلمين كانت من الوحي.

خ‌. التذوق: إحدى وسائل التعرف البشري , وهي من وسائل العقل للحصول على المعلومات قال تعالى" وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الرعد : 4] " فان طعم مأكول يتميز عن طعم آخر درجات في الملوحة أو الحلاوة أو الحموضة تلك معلومات يحتفظ بها العقل بعد تخزينها والتعرف عليها.بدليل قوله تعالى" وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [النحل : 67] "

محدودية العقل:- إن كون العقل شيء مخلوق، ففي هذا دلالة على أن قدراته لها منتهى وحدود، وبحكم ذلك لا سبيل لاتصافه بالقدرة المطلقة، فهي من صفات الخالق تعالى، ولذلك يحب أن يقف العقل عن البحث في الأمور التي فوق طاقته، مثل البحث عن ذات الله وفي الروح وأمور أخرى حفاظاً وصيانة له ورحمة، قال تعالى: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" هذا هو الحد العلمي الممنوح للعقل البشري , انه القليل, وقال تعالى: " يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو).وقد ورد في الحديث الشريف: (تفكروا في خلق الله ولا في الله فتهلكوا).

العقل والقدرات التنفيذية الخلاقة العقل البشري نعمة من نعم الله تعالى إذ أمر الله عباده بالتفكير والتدبر في آيات عديدة من القرآن الكريم، قال عز وجل في التدبر: (أفلا يتدبرون القرآن، أم على قلوب أقفالها).وقال تعالى في التفكر: "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه أن ذلك لآيات لقوم يتفكرون".إن العقل البشري دفع الإنسان منذ بداية قدومه إلى الأرض، إلى طرح الأسئلة واقتراح الإجابات عليه بالتفكر الذي هو نشاط العقل الإنساني وسبحان القائل" قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام : 50]

المفكرون: فئة من الناس صنفها القرآن فكانت فئة المفكرون وهي من العقلاء ولهؤلاء خص القرآن مهامهم وفصل لهم فقال كما في النحل " ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [النحل : 69] " وقال للناس هذا علم خاص بالمتفكرين الذين يضعون المعطيات بين أيديهم ويتفكروا في العلاقات بينها فيفهموا الحاصل كيفا ونوعا...وعليه توجه المفكرون للبحث في العلاقة بين ما تأكله النحل من الثمرات وما تنتجه من شراب عسل فتبين لهم أن كل نوع من الطعام ينتج نوعا مختلفا من العسل لونا وكثافة وطعما وعلاجا...

هكذا نصل معا إلى مقصدنا في بيان توجيه القرآن قوم العقلاء الى تدبر قضايا خاصة مع بيان الأسباب فقلنا أن ما يكون من المعلوم عن طريق معينات العقل فعلى العقل تدبرها تفكرا والحكم عليها. وقلنا أن القرآن ذكر فئات أخرى من الناس اختصهم في تدبر قضايا أخرى نسميها العلمية ومختصة بالعلماء فمن هم العلماء في تعريف الاصطلاح القرآني وما هي القضايا التي وجهها لهم أو اختصهم بها؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق