الجمعة، 18 فبراير 2022

ما الفرق بين الحنيفيّة والملّة - مصطلحات قرانيه برؤيه معاصره -

   

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.


الحنيفيّة: هي صفة التغيّر بما في ذلك التغيّر في التفكير والتشريع والتقاليد والعادات، أي كلّ “المتغيّرات”، لقوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (الروم 30)، في ظلّ الثوابت التي لا تخضع للتحوّل “مستقيمة” والتي لا تخرج عنها المتغيّرات. هذه الثوابت هي “الصراط المستقيم” أي القيم الإنسانية بما فيها من محرّمات ونواهٍ وحدود الرسالة الإلهية. وعلى ضوء هذه الثوابت يحنف الإنسان في التشريع أي يغيّر تشريعاته بالأخذ في الاعتبار المتغيّرات. تجسّد الحنيفية خاصّية العالمية في الرسالة الإلهية بتماشيها مع المتغيّرات حسب الزمان والمكان رحمة بالناس لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء 107). فأوّل من اكتشف مبدأ التغيّر (الحنيفية) هو إبراهيم في قوله تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام 79)، أي اكتشف أنّ كلّ شيء متغيّر ما عدا الله. فالثابت هو الله فقط، وفي التشريع، الثابت عندنا هي المحرّمات الـ 14 التي جاءت مختومة في الرسالة المحمّدية وهي حصراً من عند الله، علماً بأنّ تشريع موسى وعيسى لم يكونا حنيفيين لذا ألغِيا الآن تماماً. وقد انتقلت الحنيفية من إبراهيم إلى محمّد (ص). الحنيفية تشجع التعددية مهما كان نوعها، لذا فإنّ الأحادية لله وحده عزّ وجلّ وهي الباقية أما التعددية في لغير الله وهي متغيرة دائما، وأي أحادية في أي مجتمع مهما كان نوعها فهي ضد الحنيفية لأنها ضد الفطرة وفرضها يتم بالإكراه والعنف، لهذا فإن أي مجتمع يقوم على الأحادية مجتمع سكوني جامد لا يمكن أن يتطور ومصيره إلى الهلاك.


الملّة: هي صفة الثبات في السلوك لا في الاعتقاد، أي الثبات في ممارسة الشعائر، وبسبب هذا الثبات في السلوك فإنّ الملل تختلف بعضها عن بعض وتتعدّد، إذ نجد أنّ هناك: الملة اليهودية، الملة المسيحية، الملة المحمّدية… وقد ذكر التنزيل الحكيم اختلاف الشعائر في الملل ولم يلغ أيّاً منها، ففي الملة المحمّدية جاءت الشعائر (الصلاة، الزكاة، الصوم، الحجّ) مع البعثة المحمّدية وظلت ثابتة كما هي من يومها حتى الآن، وكذلك شعائر الملّتين اليهودية والنصرانية كانت وما زالت ثابتة إلى يومنا هذا. أمّا التشريع في الرسالة المحمّدية فهو حنيفي متطوّر لقوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (الروم 30)، أي يقوم على خاصّية التطوّر في التشريع “الحنيفية” وتبقى المحرمات هي الثوابت. ولحنيفية ملّة إبراهيم لقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (النساء 125). وقد ألغت الرسالة الخاتمة تشريع الملة اليهودية والنصرانية لأنّه تشريع ثابت لا يتّصف بالحنيفية، وجاءت بالحنيفية في التشريع، وعن هذا الأمر تحديداً جاء قوله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ…} (البقرة 120)، أي أنّ رضاهم عن النبي (ص) كان مرتبطا باتباعه لهم في التشريع غير الحنيف، لكنه (ص) لم يتبعهم في تشريعاته بل اتبع الحنيفية التي جاء بها إبراهيم، في حين أن الفقهاء بعده ألغوا الحنيفية في التشريع وسلكوا طريق التشريع غير الحنيفي في الفقه.

https://alabhth.blogspot.com/p/blog-page_92.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق