السبت، 27 نوفمبر 2021

تفسير الاية 1 من سورة الرحمن

    

 الرَّحْمَنُ
 عطية مرجان ابوزر
الحمد للرحمن الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا   واستودعكم الرحمن الذي لا تضيع ودائعه وحتى نلتقي في لقاء آخر مع سورة الرحمن السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سورة الرحمن كان ترتيها في التنزيل هو 97 وفي المصحف 55 وهي سورة مدنية عدد آياتها 78 اية وكان مجموع كلماتها ثلاثمائة واثنان وخمسون كلمة .
أما موضوعات السورة فتركزت في ذكر آلاء الرحمن بتأثير نفسي متميز لقارئها او سامع تلاوتها لان تأثيرها تلون في مثاني نظمية بلاغية وبيانية قرانيه معجزة تجولت ما بين ترغيب تارة وترهيب أخرى ...
ومن روائع هذه السورة انها كانت ذات نسق متميز عن كل سور القران الكريم وبامتياز ... مما دعا بالرسول الكريم محمد ص انها يطلق عليها صفة "عروس القران"
 سورة عظيمة المضمون ,رائعة البيان ,معجزة في بلاغتها, ممتعة في تلاوتها, مثيرة للمشاعر المتواترة ما بين القشعريرة والخوف والرهبة تارة , و ما بين الخيال والاطمئنان والامل تارة أخرى , فما ان تتلو آياتها اية بعد اية حتى تشعر بحاجتك الى البكاء وانت تتلو بعض آياتها ثم تجد نفسك مطمئنا ومبتسما وانت تتلو أيات آخر ... فتعلم حقا انها تستحق الوصف بعروس القران ...
كان فيها من روائع المثاني ما يذهل العقل ويثير النفس و نستطيع بكل بساطه ان نقول إنها كانت إعلانا هاما في ساحة الوجود الكبير .....  إعلانا مؤثرا شديد الروعة وهو يعرض آلاء الله الباهرة الظاهرة في جميل صنعه وإبداع خلقه ، وفي فيض نعمه، وفي تدبيره المحمود سبحانه لهذا الوجود العامر برحمة الرحمن بكل ما فيه ،
سورة الرحمن سورة تربوية ... فيها توجيه للخلائق كلها إلى وجه ربنا الرحمن ذو الجلال والاكرام .. ولما فيها من إشهاد عام للوجود كله على الثقلين : الأنس والجن وهما المخاطبين في هذه السورة , إشهاد  في ساحة الوجود و على مشهد من كل موجود ، مع التحدي للإنس والجان إن كانا يملكان التكذيب بأي آلاء من آلاء الرحمن، تحدياً يتكرر عقب كل بيان, مما جعل كل الكون معرضاً لهذه ال الاء  ، بل و معها ساحة الآخرة كذلك.
رنة الإعلان المثيرة تجلت في بناء السورة بتكرار يأسر الخيال و بدون ملل ، حيث تجلت في إيقاع فواصلها وهي تجبر القارئ لآياتها على حشرجة الصوت مرة و نقاءه أخرى ثم اطلاقه الى الأعلى مرة وخفضه أخرى ,فكانت لذة للمرتلين بها ,وسياحة للعقل والخيال تأخذك إلى البعيد ، ثم تعود فتعيدك الى ذاتك أخرى ... تستثير فيك هيبة الرحمن مرة وتؤنسك برحمة مرة أخرى ... و ما بين نقرة التنبيه للإعلان وما بين نقرة الخبر تعيش مع آياتها ما بين مشاعر الترقب للخبر وما بين حاجتك لتدبر الخبر... حتى حيرتي كيف اصفها : أصافها بمتعة العقل , ام هدير السماء ... أصفها بالإعلان الكوني أم بالخبر اليقين ... حقا حيرتني سورة الرحمن كيف اصفها تلك السورة التي لا تمل من تلاوتها
سنحاول معا تدبر معجزات القران في سورة الرحمن ...مع عروس القران
هي سورة حملت اسم الرحمن لأنها ابتدأت أولى ايتها بهذا الاسم الاكرم , وقد جاء دون أي مقدمات أو تمهيد ليدوي مجللا في السماء وكأنك تنظر ان صاعقة من السماء منطلقة باتجاه الأرض لتصعق قوما من الناس قالوا من حينهم منكرين " وما الرحمن ؟أنسجد للرحمن ؟
عندما تبدأ بتلاوة هذه السورة مفتتحا بسم الله الرحمن الرحيم تجد نفسك تعود الى عمق البسملة التي افتتحت بها فتتوقف تلقائيا .. لتعود بذاكرتك الى افتتاح سورة براءة التي كانت بلا بسملة لما في بدايتها من زجر وتلمس لغضب الرب وهو يتبرئ ممن نزلت فيهم السورة ... فالحال هنا لم يختلف كثيرا اذا ما اعتقدت ان الرب غاضب زاجر لمنكرية القائلين وما الرحمن , أنسجد للرحمن ؟ ولكن الامر مختلف هنا اذ افتتح الرب السورة باسم من اعظم اسماءه وبذكر لعظائم لآلائه فاستحقت البدء بالبسملة وجوبا لتدوي بعد تلاوتها مباشرة كلمة الرحمن يتبعها صمت رهيب تمثل في كونها آية مستقلة مع وجوب الوقف لتدرك ان هذه الكلمة ما كانت الا كمثل قرع تنبيه لكل الخلائق وليست للمنكرين فقط .
كلمة واحدة منفردة دوت فجأة في السماء وهوت الى الأرض أجبرت العالمين على الانصات لسماع الخبر القادم عن هذا الرحمن
وقد تتخيل مثالا لذلك: ان مكبرات الصوت قد هتفت فجاه بكلمة " الملك " فاجبر هذا الهاتف الجميع على الصمت والالتفات الى مصدر الصوت ومع تجاوز لحظة الصمت هذه عاد الهاتف يدوي قائلا : منحكم المعاشات ... ثم صمت آخر ثم عاد الهاتف يدوي رفع لكم البنيان ... وهكذا توالت ذكر النعم الملكية على الجمهور وهم واجمون في صمتهم ...
والمثل الأعلى للرحمن الهاتف في آرجاء عرشه باسمه الرحمن فأوجبت الصمت للاستماع ... وقد كان مسبقا في الاسم المنادى الف معنى وإشارة ومعلومة قفزت من فورها الى سدة العقل المؤمن بالرحمن  في وقت صعقت فيه عقل المنكر للرحمن وكلاهما صمت من فورة بانتظار الخبر القادم تاليا عن الرحمن
وما بين مؤمن بالرحمن استبشر بخير النداء ومآبين منكر للرحمن نزلت به الرهبة صمت الجميع ليتلقى الخبر الاول
علم القران  خلق الانسان    علمه البيان  
هكذا توالت تفاصيل الإعلان الكوني تدوي من السماء للأرض  فيردد المؤمنون مع كل خبر كلمة " نشهد" فاذا ما تنزل الخبر الأول " الرحمن علم القران  قالوا نشهد
واذا ما تنزل الخبر الثاني الرحمن خلق الانسان قالوا نشهد     الرحمن علمه البيان   قالوا نشهد  وهكذا كان حال طائفة الجن التي استمعت لهذه السورة حين تلاها عليهم رسول الله ص والتي عاتب في سماعها الصحابة الذين تلاها عليهم وهم صامتون لم يفعلوا فعل الجان .
 اذا بدأ الرحمن هذه السورة مبتدئا باسمه الذي هو من أعظم أسماءه بعد لفظ الجلالة الله... هذا الاسم الذي تكرر في القران 48 مرة مزلزل ... يُرهب الملائكة مرة ... ويُرهب الجان مرة ... ويتوعد الإنسان مرة  ويأمر الخلائق جميعها بعبادة الرحمن مرات ..
ومآبين تصعيد الخطاب بالترهيب باسم الرحمن في هذه الأية وتلمس مواقع الترغيب في الاية ... يحار المتدبر في ما بين رحمة الرحيم وجبروت الرحمن ...
مما يجعل متدبري سورة الرحمن على نوعين الأول منهما شاهد على رحمته بشهادته على عظمة  الاية والثاني مذهول لا يكاد يبين  وهو منكر للألاء التي تتلوها السورة أية بعد آية...
الأول يتلمس بروحه جنان النعم التي تتلوها السورة ايه بعد اية ويلهث بالحمد للرحمن مع كل ذكر والثاني يحترق بغرور انكاره.
 ويلاحظ المتدبر لسورة الرحمن عجبا في مضمون السورة لم يشهده في اي سورة سواها ... ذلك ان اسم الرحمن الذي اُفتتحت به السورة لم يتكرر في أي من آياتها حتى النهاية لتنتهي بقولها تبارك هذا الاسم " تبارك اسم ربك ذو الجلال والاكرام "
هذه البركة الربانية لاسم الرحمن تجلت في امتلاءه واستغناءه عن أي اسم رباني اخر يشاركه في هذه السورة فلا تجد اي اسم من الأسماء الحسنى الكثيرة للرحمن غير هذا الاسم .
ولكن المتدبر يجد البركة كامنة في كل اية من آيات هذه السورة فسبحان الرحمن المبارك الذي تضمن اسمة في كل اية دون ذكره فانظر الايات :
علم القران  من هو ؟   هو الذي سبق اسمه هذا الخبر فكان القول في الباطن الرحمن علم القران  الرحمن خلق الانسان  الرحمن علمة البيان  وهكذا ...
اذن فيمكننا ان نقول بثقة ان سورة الرحمن : سورة معرض آلاءه .... آلاء الرحمن ....التي لا يمكن ان يحصيها حاسوب محوسب ...
فلنبادر من هنا للاستدلال بظلال عروس القران ..
ما ان تقرأ الأية الأولى من سورة الرحمن حتى
تستشعر بان هناك سببا لهذا الافتتاح باسم الرحمن ؟ لعله سؤالا مستفزا قد تسبب في هذا الطرق العظيم للعقل البشري فإذا ما استرجعت متدبرته من القران سابقا تذكرت الآية المهيبة الكامنة عند الرقم 60 في سورة الفرقان التي تقول
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ........
أو ليس هذا السؤال مثيرا لاشمئزاز العقلاء ؟ فكيف يكون رد فعله عند رب العقلاء ؟
هكذا كان الرد من الرحمن .مهيبا منذ البداية
فما أن يدوي صوت الرحمن هاتفا باسمه " الرحمن" ...دون اي مقدمة او تمهيد ...  " يدوي الخبر مجلجلا في الأفق "  الرحمن  ,علم القران , خلق الانسان , علم البيان... وليسود الصمت بعد ذلك طويلا وطويلا جدا ... لمنح السامع فرصة التدبر فيما ألقي اليه ...
 فانظر كيف يكون التدبر مع ولنأخذ الآيتان الأولى والثاني فقط من بعد أية الرحمن :
وهما "علم القران (2) خلق البيان (3)" :
معنى ذلك ان عليك أيها المتدبر ان تنظر في علم القران بحثا عن العلوم التي تدل على خلق الإنسان .
هل تعلم ما معنى ذلك أخي المتدبر معي لهذه الكلمات الأربع ؟
معنى ذلك : ان كنت تريد معرفة من هو الرحمن فانظر في القران الذي " لئن اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بمثله لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً....
ان كنت تريد معرفة من هو الرحمن فانظر في علم الوراثة القرآني لتعلم انك تحمل في جيناتك جينات نسبك إلى أبيك ادم الذي خلقه الرحمن من صلصال فكان بعد ذلك من مني يُمنى فمضغة فخلق جديد... ولا تنظر في علوم الجاهلين الذين قالوا من قبل هذا العلم القرآني أن الإنسان يخلق من دم حيض المرأة, ولا تنظر في علوم الملحدين الأغبياء الذين يقولون آن الإنسان خُلق صدفة بفعل انقسام الخلية الوحيدة d.n.a
وتذكر الآيات الأولى التي تنزلت من القران التي قالت : اقرأ باسم ربك الذي خلق الإنسان من علق ...
اذا أردت آن تعرف الرحمن فانه هو الذي علم القران وقال في خلق الإنسان انه : هو الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم   ...
وهُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ....
وهو يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ....
 وهو رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَهو الذي خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَهو الذي بَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء ...
وهو خَالَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجاَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ...
وهو َ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ
فذاك هو الرحمن الذي علم القران فبين لكم كيف خلق الانسان الذي علمه البيان
ذلك هو الرحمن الذي علم في القران انه خلقكم ثم صوركم ثم قال لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ  فأكرمكم ...
 ذلك هو الرحمن الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ  .....
 ذلك الرحمن الذي سخر َالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ بِأَمْرِهِ ... والذي  علم في القرآن ان لَهُ الْخَلْقُ وله َالأَمْرُ....
الرحمن علم في القران انه هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا....
الرحمن علم في القران انه هو بدأ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ...
 الرحمن علم في القران انه هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ.....
 الرحمن علم في القران انه هو الذي خلقكم وخلق لكم كل شيء مسخرا حتى جحدتم وقلتم ما الرحمن ....
 الرحمن ان شئتم ان تعلمون فهو من علم في القران ان كلمته قد تمت عليكم ليملأن  جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
الرحمن علم القران ... فهل اطلعتم في علوم القرآن قبل ان تتسألوا عمن هو الرحمن ؟
هو الرحمن الذي أن شاء ان يُذْهِبْكُمْ .. يذهبكم وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ...
هو الذي أنزل مِنَ السَّمَاءِ مَاءً وجعل من الماء كل شيء حي ...
الرحمن هو الذي خلق الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُون ... وخلق الْجَآنَّ مِن نَّارِ السَّمُومِ ...
 الرحمن هو من خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ ...من مني يمنى .. فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ ...
فيا أيها المتسائلون المنكرون الجاحدون بالرحمن .. يسألكم الرحمن هاهنا فأجيبوه ان كنتم قادرون "أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ" ...
 افلا تتذكرون ان الرحمن هو الذي خَلَقَكُمْ والذي  يَتَوَفَّاكُمْ وَالذي يرد بعضكم إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً.....
 الرحمن هو الذي علم في القران فقال ُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ...ذلك هو الرحمن الذي خلق ...
الرحمن علم البيان ... فان كنت لا تعرفه فارجع للقران الذي فيه البيان  لتعلم انه هو الذي علم بالقلم   علم الإنسان ما لم يعلم.....فهل علمتم كيف علم الرحمن البيان ؟
هو الذي رغم كل ما تقترفون من معاصي وتمارسون من جبروت في الأرض التي استخلفكم فيها فهو الذي  يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ...
 من صور رحمته العامة للثقلين وهما المخاطبين في هذه السورة
أولا : بالنظر إلى رقم سورة الرحمن في المصحف نجد إنها كانت السورة رقم 55  وان السورة التي سبقتها كانت سورة القمر ولاعتقادنا أن آيات القران تكمل بعضها بعضها فسنحاول إيجاد العلاقة ما بين السورة 55 وما قبلها حيث نجد أن عدد آيات سورة القمر التي سبقتها هو 55 أيضا ... سبحان الله .
ولو نظرنا في الآية 55 المشار إليها لوجدناها تقول " في مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ [القمر : 55] بمعنى أنها انتهت بذكر صفتين عظيمتين من صفات الرحمن هما " مليك مقتدر " فمهدت للتواصل مع السورة التالية لها " وكأنها تجتمع معها لتقولل " عند مليك مقتدر هو الرحمن , ولم تتكامل السورتان بمجرد الكلمات فقط بل تقاربت وتكاملت في المعنى والمضمون " فالمليك المقتدر" هو الملك القادر القوي المنظم لشؤون مملكته , وقد وجدنا في معاني كلمات الملك المقتدر ذات المعاني المتضمنة في اسم الرحمن وصفاته , سبحانه .ويستمر التواصل بين السور والآيات حتى تصل إلى نهاية سورة الرحمن التي تجد نصها " تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام " فتصير الآية الأخيرة من سورة القمر تتبعها الآية الأولى من سورة الرحمن هكذا " مليك مقتدر , الرحمن , وبربط نهاية سورة الرحمن معهما تصبح " مليك مقتدر , الرحمن , تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام ... وإذا ما انتهيت إلى نهاية السورة التالية للرحمن أي سورة الواقعة فستجدها تقول في أيتها الأخيرة أيضا " فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكََ الْعَظِيمِ [الواقعة : 96] سبحان الله فانظر التكامل " مليك مقتدر هو الرحمن تبارك اسمه ذي الجلال والإكرام سبح باسمه العظيم ... لاحظ نظم القرآن المعجز في الوصف لاسم الرحمن ... أعيده عليك ثانية ( مليك مقتدر هو الرحمن تبارك اسمه ذي الجلال والإكرام فسبح باسمه العظيم ) .... أليست هذه بروائع تستحق التسبيح باسم ناظمها الرحمن ؟
هنا ملاحظة استوقفتني الحقيقة فوجب حسن تدبرها في قوله " تبارك اسم ربك " إشارة إلى اسم الرحمن .. لاحظت ان قال اسم ربك ولم يقل اسم الله أو يقل اسم الرحمن بل قال ربك .. هذا النظم الدقيق يوحى لك بحقيقة رائعة هي : ان هذا الرحمن هو رب والرب معروف تدبيره لأننا من مثل الدنيا والأسرة نعرف آن رب الأسرة هو مدبر شؤونها وراعيها وحاميها وموغر رزقها ولذا شاء نظم الآية آن يبلغنا بان هذا الرحمن هو الرب المنعم المدبر الحامي الرازق ...  وبهذا المعنى فاته الرحمن يطمئن المؤمن به إلى رحمته غي ذات الوقت الذي يرهب به باقتداره ذلك المنكر له ... هذا اعجاز في المخاطبة حين تجد الترغيب والترهيب مثنى يُخاطب به جمهور واحد فيه من يجب إشعاره بالأمان وفيه الآخر الذي يجب إشعاره بالخطر ... تلك هي روائع المثاني في نظم القران 
طيب ... فماذا نفهم من هذه العلاقة النظمية القرآنية  ؟ فذلك الموصوف هنا : بالملك ... المقتدر ... المسمى بالرحمن ... المبارك أسمه ... يأمرنا التسبيح باسمه العظيم هذا ؟
نفهم مبدئيا : إن من صفات اسم الرحمن : الملكية ( الرحمن المليك) و ( الرحمن المقتدر ) وأن اسم الرحمن اسم مبارك , لما فيه من جلال وإكرام , وأن التسبيح بهذا الاسم يعني تسبيحه بكل صفاته تلك ....
وبالنظر إلى الآيات التي التي تبعت اسم الرحمن نجده سبحانه يعدد لنا أولى معاني هذا التبريك باسمه ودواعي التسبيح به فتجده يعلن في ساحة الوجود للثقلين الإنس والجن قائلا " علم القران خلق الإنسان علمه البيان " سبحان الرحمن على روعة هذا البيان ...
بيان رباني عظيم تضمن التذكير بروائع هذه الرحمة التي جاء على بيان تفاصيلها في الآيات التالية بمسمى آلاء الرحمن ... فتلاها لنا لتكون بالتضمن دلالة على صور الرحمة التي أنعم بها الرحمن , فلا يبقى اسم الرحمن بظاهر ما فيه من ترهيب وملكية واقتدار وهيمنة فيكون مرهبا للمؤمن به ... بل جعل فيه روعة الرحمة للمؤمن به ورهبة العظمة للكافر به ... فقال " تبارك اسم ربك ثم قال العظيم ... لتتوافق شمولية الصفات ما بين الرحمة والجبروت غي توازن يتناسب مع الإعلان الكوني لتدب آلاءه للمؤمن والمنكر على السواء الأول بقلب لين والأخر بقلب غلف ... الأول بشعور الأمان مع ربه الرحمن والثاني بشعور الرهبة مع منكره ...فيكون الإعلان وجوديا كونيا يتناسب ونداء الثقلين الذي نادى به الرحمن في سورة الرحمن ...
طيب ...خل خالنا في خواطرنا هذه ونحن نعرض لاسم الرحمن ما اتفقت عليه الأمة الإسلامية من أن الرحمن رحيم ؟ وأين هي رحمة الرحمن إذن ؟ وما هي ؟
نقول والرحمن هو المستعان لن رحمة الرحمن واقعة في اسمه هذا وقوع تضمن , بمعنى انها كانت متضمنة في اسمه وصفاته نجدها واضحة جليه في تعداده للاءمته  المتواترة هنا في سورة الرحمن... يسردها على الثقلين رحمة بعد رحمة .. وهي في الأصل مفهومة على قاعدة فهم معنى الرحمن , بفهمنا أن الرحمن هو المعتني بالمرحوم رحمة الملك المالك المقتدر الرب المبارك العظيم ...فانظر يا عبد الرحمن في رحمة الرحمن الموصوف بهذه الصفات ....
أنها رحمة لا تحتاج إلى عرض ولا إعلان إلا لذو قلب غافل أو منكر غلف القلب  ...
وان شاء البعض أن نذكر له بعض صور رحمة الرحمن لعجزه عن تدبر المتضمن فذلك حق يطلبه ... ولنحاول تدبر بعض الأمر مستعينين بالله ... ولننظر قول الرحمن إذ قال " أدعو الله أو أدعو الرحمن " لنتدبر رحمة الرحمن المتضمنة بالإيحاء الإلهي بمعنى ارتباط اسم الله بالرحمن ... فنرى في ما تضمنه اسم الله سبحانه التكليف , فالله مُكلف ,  والتكليف فيه مشقه على المكلف , والمشقة توجب على الإله الرحمن الرحمة ,   أي أن يكون رحيما فيما كلف به .
من نفس الزاوية ننظر في قوله " الرحمن استوي على العرش" وفي ذلك معنى باطن لرحمة الرحمن , نفهمه بفهمنا لمعنى استواء الرحمن ,إذ لم يقل سبحانه ( الله استوى على العرش) لما قد يكون في ذلك من رعب للمكلفين فإذا ما استوى الملك على عرشه بصفة القهر كان ظالما وجائرا أما إذا استوى على عرشه بصفة الحب من رعيته ومبايعتهم لهم ديمقراطيا فانه يكون استواء لملك محب لشعبه غيور على راحتهم - ولله المثل الأعلى - فذلك الله سبحانه يستوي استواء الرحمن بما يتضمن من الرحمة والحب والعطف ...فكأنه يخبرنا سبحانه بقولة " أدعو الله أو أدعو الرحمن" بأن لا نجزع من الله المكلف لأنه هذا المكلف هو ذاته الرحمن .
بتدبر مواضع اسم الرحمن في القران نجده في سبع مواضع مباركه قد جاء يذكر استواء الرحمن على العرش مدبرا لشؤونه ...
سبحان الله ... فانظر في سورة الأعراف "اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ" فذلك تدبير رحمة ... ثم في يونس" اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ"  وذلك تدبير رحمة ... ثم الرعد " رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ " وتلك منن رحمة الرحمن ... ثم الحديد " اسْتَوَى  عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا  يذكر اربع رحمات منه ثم يطمئن عباده فيقول وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ" وهكذا تتوافر بالبيان صور رحمة الرحمن سبحانه.
طيب ... لماذا ذكر الرحمن في سورة الرحمن قوله " علم القران ثم قال خلق القرآن ؟
معروف ان الإنسان عندما يريد أن يصنع شيئا يحدد الغاية منه مثلا : أن شاء آن يصنع منازل فانه يحدد هل هي للإنسان أم للحيوان أم للطيور أم أحواض للأسماك ؟   فيقول مثلا منزلا للإنسان وهكذا يذكر المنزل قبل الإنسان , وهكذا كان منطق السورة التي ذكرن ان الرحمن سيعلم القران للإنسان بعد خلقه ثم سيعلمه البيان أي النطق وكيفية التعبير. فعلمنا الرحمن سبحانه انه برحمته قرر إيجاد المنهج التربوي الذي يمكن الإنسان من استخلاف الأرض ثم خلق الإنسان واستخلفه بهذا المنهج .أي انه سبحانه اوجد الوسيلة قبل الغاية ... اوجد المنهج قبل الاستخلاف ... كمن أسس منهج الدراسة ثم افتتح المدرسة وهذا هو المنطق السليم .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق