الثلاثاء، 9 نوفمبر 2021

تفسير النعمة - المنعم عليهم

 تفسير  النعمة - المنعم عليهم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على خاتم النبيين والسلام على الأنبياء جميعهم والمرسلين المُكرمين وبعد:
الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ  :-قال تعالى" الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين"
لم يتكرر بناء قوله تعالى الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ في القرآن إلا في سورة الحمد فهي من الآيات المحكمات غير المتشابهات , رغم أن عدد من الآيات جاء على ذكر كلمة أنعمت دلالة على الله تعالى , فمنه ما أقر به الناس كقول موسى عليه السلام "  قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ  [القصص : 17] ومنه ما كان من كلام الله تذكيرا للناس بما أنعم عليهم  كقوله " ياَ بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ....ِ [البقرة : 40]
 النعمة في اللغة هي الترف ورفاه العيش والمتنعمون هم أهل النعمة والنعمة هنا مادية , قال الله تعالى في وصف متنعمي قريش" وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً [المزّمِّل : 11]
المنعم عليهم من الله تعالى هم من هداهم الله تعالى  وقد في جاءت الإشارة الربانية إليهم بالأسماء الصريحة وبالأوصاف ومن ثم بالفعل كما في قول الله تعالى " أُوْلَئِكَ الَّذِينَ - أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ:(1) النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ(2) مِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ و(3) َمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَ(4) اِسْرَائِيلَ وَ(5) مِمَّنْ هَدَيْنَا و(6) اجْتَبَيْنَا , إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً [مريم : 58] والنعمة هنا هي نعمة الإيمان والتقوى - الدين -
النعم الربانية :  لا تحصى ولا يمكن لمدعي باحصاءها " وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [النحل : 18] ,ولكنها معروفة للناس ومنها الباطن والظاهر قال تعالى"  يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ [النحل : 83] 
يحذرني هنا خاطرة مهمة يشكو منها الكثير من المسلمين والناس عامة وهي حالة تغيير النعمة ويتسائل الكثيرون عن سبب تغير النعمة فاذكر ان جواب سؤالهم ظاهرا في كتاب الله في قوله تعالى " ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأنفال : 53] 
وفي هذا ضرب الله للناس مثلا توضيحيا فقال سبحانه:وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [النحل : 112]
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ [هود : 10]
ومن النعم الربانية التي ذكرها القرآن نجد نعم الرحمن على كافة ما خلق و نعم الرحيم الخاصة بالمتقين ونعم الرحمن في دار الآخرة وسنفصل في ذلك ان شاء الله.
 وموجز القول في نعم الله انها لا تحصى قال تعالى: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [النحل : 18]وقال :وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم : 34]
  1. جميع المسخرات كالشمس والقمر والبحار والسحب ...هي من النعم "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ [لقمان : 20]
  2. كل المأكولات الطيبة من زرع وحيوان بري او بحري او طير هو من النعمفَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [النحل : 114]
  3. يسمي القران الانعام با انواعها بالنعم : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ... [المائدة : 95] 
  4.  تسخير الطبيعة والإنعام ووسائل المواصلات والاتصالات لخدمة الإنسان " لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ [الزخرف : 13]
  5. نعم الله تعالى على خاصة عبادة والتي هي من رحمة الرحيم . كالمغفرة والتوبة وتخصيص في الرزق والملك والتي هي للمتقين العابدين فقط.قال سليمان عليه السلام " ...َقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ ...[النمل : 19] وقال الله تعالى في نعمة النبوة والقران على محمد (ص)"مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم : 2]
  6. رفع الأذى والغضب والمرض عن الناس كما كان من حال يونس عليه السلام ونعمة الله بإنقاذه من جوف الحوت" لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ [القلم : 49]
  7. الرزق يتنزل من السماء وينبت من الأرضيَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر : 3]
  8.  نصر الله للمؤمنين من النعم الخاصة  "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً [الأحزاب : 9]
  9. من النعم الجارية السيارات في البر والظائرات في الجو والسفن تحملها المياه بإذن اللهأَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [لقمان : 31]
  10. الظلال والاكنان واللباس"  وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ [النحل : 81]
  11. الازواج والبنين والبنات " وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل : 72]
  12. تأليف القلوب على الاسلام نعمة:"... وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا...[آل عمران : 103]
  13.  وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً [النساء : 69] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً... [المائدة : 3]
  14. نعم الله في دار الآخرة على أهل الجنة وهي غيبية لا يعلمها الناس في الأرض إلا بالتمثيل والتشبيه ومنها نعمة رحمة بعض أهل النار بالتوبة عليهم وإخراجهم 
وجوب شكر النعمة : فريضة وهي وصية ربانية : وعد الله عزَّ وجلَّ من شكر الله على إنعامه أن يزيده من فضله، "لئن شكرتم لازيدنكم" و قال تعالى وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الأحقاف : 15]
وقال جل وعلا " شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [النحل : 121]
شكر سليمان عليه السلام ربه قائلا:  رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ [النمل : 19]
وكذلك موسة عليه السلام قال : قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ [القصص : 17]
وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [الصافات : 57]
وجوب ذكر النعمة بين الناس :وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى : 11]
عقوبة كفر النعمة:-
قال الله تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ وقال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
الكفر في اللغة:معناه الستر والتغطية. فمن ستر نعمة الله واخفاها كفرها وعصى قوله تعالى "فاما بنعمة ربك فحدث"وقد توعد من كفر إنعامه (اي اخفاها وانكرها) بالعذاب الشديد، وولان الكفر سبب للعذاب، وقد مضت سنة الله في خلقه أن من كفر نعمة الله ولم يشكر لله عليها؛ يسلبها الله منه ويذيقه ضدها كما حدث مع القرى التي كفرت بأنعم الله.

وقد ضرب الله لنا الأمثال في القرآن لعلنا نتذكر أو نخشى أو نتفكر، فضرب تعالى لنا أمثالاً ومن هذه الأمثال قصة سبأ، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ . فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ
فقد أنعم الله عزَّ وجلَّ على قوم سبأ الذي كانوا في اليمن جتى قيل إن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زاد ولا ماء، بل حيث نزل وجد ماءً وثمرًا، ويقيل في قرية ويبيت في أخرى بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾ فالأمن حاصل لهم في سيرهم ليلاً ونهارًا.... 
 
ثم أعرضوا عن شكر الله على ما أنعم به عليهم، وعدلوا إلى عبادة الشمس من دون الله وكفروا بنعمة الله وجحدوها فعاقبهم الله ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ فبطروا النعمة وأحبوا السفر الشاق الذي يحتاجون في قطعه إلى الزاد والرواحل، والسير في الحر والخوف، فأرسل الله جلَّ جلاله سيل العرم وتهدم سدهم العظيم "سد مأرب" 

ومزَّقهم الله عزَّ وجلَّ كل ممزق، وفرَّق شملهم فتفرقوا في البلاد بعضهم إلى عُمان، وبعضهم إلى الشام، وبعضهم إلى يثرب ...الخ ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ

فهذه سنة الله فيمن أنعم الله عليه بالرزق الواسع ثم لم يشكر الله على ذلك بل بطر وتجبر وطغى وكفر نعمة الله فيما أنعم عليه من الأرزاق بدلاً من ذلك؛ قال تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا

كيفية شكر النعمة :-

ولا يظنن أحد أن كفر النعمة وعدم شكر الله عليها يتعلق باللسان فقط، كأن يمتنع عن قول: الحمد لله، الشكر لله، بل إن معنى كفر النعمة أن يستعمل النعمة في غير الحكمة التي أريدت بها، ومن ذلك: البغي بالمال والترفع به على خلق الله؛ كما فعل قارون الذي كان من قوم موسى فأهلكه البغي لكثرة ماله؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ . وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ 

قال الله تعالى مخبرًا عن جواب قارون لقومه: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ 
 
قال الله تعالى: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ . وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ

ومن كفر النعمة استعمالها في معصية الله كمن يصنع من الفاكهة الطيبة كالتفاح والعنب خمرا مسكرا

وقد يغدق الله عزَّ وجلَّ على عبد بالنعم الكثيرة والمال الجزيل، ولا يكون ذلك لمحبة الله له ورضاه عنه وأنه أهل لهذه النعم ومستحق لها، فقد يكون ذلك فتنة له واستدراجًا واختبارًا أيشكر أم يكفر، وهذا نبي الله سليمان عليه السلام عندما رأى نعم الله عليه علم أن ذلك اختبار له، وحكى الله عزَّ وجلَّ عنه قوله فقال تعالى: ﴿قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ فمن عصى الله ولم يشكره على نعمه فلن يضر الله شيئًا بل يضر نفسه، وسيعاقبه الله في الدنيا والآخرة بما يستحقه من سلب النعمة منه والعذاب في الآخرة. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق